( 1538 مشاهدة )
استمع الي المقالة :
لا شك في أن تعدّد الزوجات أمرٌ ربّاني جاء في مُحكم الكتاب الحكيم، ولكنه ليس فرضاً على جميع المسلمين، هذه الحقيقة يجب أن لا تغفل عن أحد، فمن لا يستطيع أن يتعامل مع التعدد ويطبق شروطه، وواجباته؛ عليه أن لا يدخل هذا المعترك، ومن دخله ووجد صعوبة في تحمل المسؤولية عليه أن يتعلم ويبحث ويسأل باستمرار لتحسين مجريات حياته الزوجية؛ بما يحقق له ولأسرته السعادة، وبما يمكنه من تحقيق الهدف السامي للتعدّد.
إن الرجل المعدّد غير المدرك لأبعاد التعدّد وقيمه ومبادئه، لن يقوى على الاستمرار بالتعدّد كما أنه سيقدّم نموذجاً يخالف المقصود منه مما يجعل المجتمع يربط قضية التعدد بسلوكه كونه بهذا السلوك سيغير فكرة التعدّد لدى الآخرين، عن معناها الانساني العظيم الذي أمرنا الله به والذي لا يخفى على أهل الإيمان والمعرفة، فمن أهداف التعدّد إعفاف بنات المسلمين، ووسيلة عظيمة لجلب الخير والبركة والرزق للزّوج والزوجة والأبناء وبالتالي فإن المسؤولية عظيمة على من يقدم عليه وهو يحتاج منه التحلي بالحكمة والصبر ليتحقق الهدف الربّاني الذي شرعه الله للتعدد ،والذي يسعى المعدد لتحقيقه ونيل بركته.
ومن المسائل المهمة التي يجب على الرجل المعدّد أن لا ينساها هي قضية الغيرة، لأن غيرة الزوجة الغير منضبطة واحدة من أهم أسباب اندلاع شرارة الخلافات داخل البيوت الزوجية، والتي تؤدي حتماً إلى خلل كبير، قد ينعكس على البيت والزوج والأبناء إذا ما استحكمت بالعلاقة الزوجية وسيطر عليها بشكل كامل، وحينها يصعب على الزوج وعلى الزوجة ضبط الأمور أو الإمساك بزمام البيت والعائلة.
لذلك، فإن من أهم الأمور التي يحتاجها المعدد فن التعامل مع الزوجة ومعرفة متطلباتها ورغباتها وعاطفتها وغيرتها، ومن لا يمتلك مثل هذه المعرفة، عليه أن يبحث ويسأل. ومن هنا جاءت فكرة تطبيق إعفاف الذي يعمل من خلال خبرائه ومستشاريه ليس فقط على الحد من منع تفكك الأسرة وضياع أفرادها بل والعمل من أجل عودة الحياة السليمة للعائلة إذا ما تعرضت للخلل بما يساهم في حصول الأمن والاستقرار الحياتي
ومن المعلوم أن من طبيعة المرأة ترفض فكرة أن تشاركها امرأة ثانية في حياتها الزوجية، وهذا نابع من طبيعة الفطرة التي فطرت عليها، وحب التملّك والانفراد بالكيان الأسري ،وهو نابع أيضاً من عاطفتها التي تضيق كل الضيق بمثل هذا الأمر، ولهذا فإنه على الزوج الذي يقرر الزواج بزوجة أخرى أن يدرك هذه الفطرة لدى المرأة ويوطّن لنفسه ويؤكد لزوجته أنه في حال قدّر الله بزواجه، فإن هذا يتم لأمر مشروع لا ريب فيه، وعليه أن يبين لها بأن التعدد سيكون رافد خير وبركة في مسيرة حياتهما الزوجية والاسرية، وسوف يسعى جهاداً للتحقيق العدل ، الذي أمر الله به ، مع زوجاته وأبنائه ، لتعم السعادة والاستقرار كل أفراد العائلة
وبعض الرجال يطالب زوجته بالاعتصام بالصبر والرضا في حال زواجه من زوجة أخرى، ولكن نحن في تطبيق إعفاف نقول إن التمسك بالصبر والرضا مطلوب من الرجل والمرأة على حد سواء، فكما للمرأة مشاعر تجاه زوجها فأيضا للرجل مشاعر تجاه زوجته لا يمكن أن تنسيه إياه زوجة أخرى، وعلى الرجل أن يكون متيقّناً أن الحق تبارك وتعالى حينما شرع التعدّد لم يكن ذلك على حساب ازعاج النساء أو التضييق عليهن وإنما أتى التشريع كي تحيا الأمة ككل حياة فاضلة لا تعرف فساداً في الأخلاق ولا انحرافاً في القيم المثلى التي أقرها ديننا الحنيف بما يساهم في إعمار الأرض
وعلى الرجل المعدد، أن يراعي أوضاع شخصية زوجته حال غيرتها، فهناك أنماط عدة من غيرة النساء، تختلف باختلاف شخصياتهن التي فطرفهنٌ الله عليها، فمنهن ًشديدة الغيرة والاخرى أقل، ومنهنّ من تتحرك غيرتها بمؤثر، فلا بد من التعامل الأمثل في هذه الحالة، وأن تضيق المشكلة بحدودها وتغلق على قدر مساحتها،
وقصة عائشة - رضي الله عنها - وغيرتها حينما كسرت صحفة الطعام الذي جيء به للنبي - صلى الله عليه وسلم - من إحدى زوجاته، وكيف تعامل مع الموقف في أضيق حدوده، صحفة بدلها صحفة وانتهى الموقف وقال ( غارت أمكم ) هذا الموقف النبوي الذي ترجمه عليه الصلاة والسلام واقعياً في كيفية التعامل مع غيرة الزوجة ، يجب أن يكون خارطة طريق لكل معدد، حتى يستطيع أن يمتص ثوران الغيرة حال حدوثها، وعلى المعدد، أن يدرك أنه متابع في سلوكه وتصرفاته في التعامل بين زوجاته ،فلا بد من توازن كفة الميزان بالعدل فيما يملك، وأن يتحلى بالحلم والصبر، والتغافل، وعدم التحقيق فيما يمكن تجاهله حفاظا على سلامة حبل المودة وسداً لمداخل الشيطان ...